كيفية زراعة فول الصويا: دليل شامل للزراعة المثلى والإنتاج الوفير

تُعتبر زراعة فول الصويا من الأنشطة الزراعية ذات الأهمية الاقتصادية والغذائية الكبرى، نظرًا لقيمته الغذائية العالية وتنوع استخداماته في الغذاء والصناعة. فول الصويا (Glycine max) هو نبات بقولي يُزرع على نطاق واسع في مختلف أنحاء العالم، ويُعد مصدرًا رئيسيًا للبروتين النباتي والزيوت، إضافة إلى استخدامه كعلف للحيوانات وفي الصناعات الدوائية والكيميائية. تعود أصوله إلى شرق آسيا، غير أنه اليوم يُزرع في كل من الأمريكيتين، إفريقيا، وأوروبا، بما في ذلك بعض مناطق العالم العربي. يتطلب نجاح زراعته اتباع مجموعة من الإجراءات التقنية الدقيقة التي تشمل اختيار الأرض المناسبة، إعداد التربة، اختيار الصنف، ومراعاة العمليات الزراعية الأخرى حتى الحصاد.

أولًا: الظروف المناخية والبيئية الملائمة

فول الصويا نبات محب للحرارة، ويحتاج إلى مناخ معتدل يميل إلى الدفء. تتراوح درجة الحرارة المثالية لنموه بين 20 و30 درجة مئوية. ينمو النبات بشكل جيد في المناطق التي يتوفر فيها موسم زراعي طويل يمتد من 100 إلى 150 يومًا دون صقيع. لا يتحمل الصقيع ولا الرياح الشديدة أو الفيضانات، لذلك يجب اختيار مواقع الزراعة بعناية لتجنب تلك الظروف المناخية القاسية.

ثانيًا: نوع التربة الأنسب

تُعد التربة الطينية الرملية الخصبة جيدة الصرف من أفضل أنواع التربة لزراعة فول الصويا. يفضل النبات التربة ذات القوام المتوسط إلى الخفيف، ويُفضل أن تكون غنية بالمواد العضوية وذات درجة حموضة متعادلة إلى قلوية خفيفة (pH من 6 إلى 7.5). التربة الثقيلة قد تعيق نمو الجذور وتزيد من فرص تعفنها، بينما التربة شديدة الحموضة تؤثر سلبًا على امتصاص العناصر الغذائية. ينبغي فحص التربة قبل الزراعة لتحديد خصائصها وتعديلها إذا لزم الأمر باستخدام الجير أو الأسمدة العضوية.

ثالثًا: تجهيز الأرض للزراعة

تبدأ عملية تجهيز الأرض بحرثها حرثًا عميقًا خلال فصل الشتاء لتهويتها والتخلص من الأعشاب الضارة. بعد ذلك، يُعاد حرث الأرض حرثًا سطحياً قبل الزراعة مباشرةً لتفتيت التربة وتسويتها، مما يسهم في تحسين نمو الجذور وتوزيع الماء والأسمدة بشكل متساوٍ. يجب التخلص من بقايا المحاصيل السابقة وإزالة أي حشائش قد تكون حاملة للآفات أو الأمراض.

رابعًا: اختيار الصنف المناسب

تتوفر العديد من أصناف فول الصويا تختلف في مواعيد نضجها، إنتاجيتها، مقاومتها للأمراض، وجودة الحبوب. عند اختيار الصنف المناسب يجب مراعاة ما يلي:

• طول الموسم الزراعي في المنطقة.

• مقاومة الصنف للأمراض الشائعة.

• الغرض من الزراعة (حبوب، زيت، علف).

• احتياجات السوق المحلية والدولية.

بعض الأصناف المنتشرة عالميًا تشمل: Clark، Williams، Bossier، Hutcheson، وDavis، أما في العالم العربي فيُعتمد غالبًا على أصناف محلية أو أصناف مستوردة تم اختبارها في ظروف مناخية مشابهة.

خامسًا: توقيت الزراعة

يتحدد موعد الزراعة حسب المناخ السائد في المنطقة، إذ يجب زراعة فول الصويا بعد زوال خطر الصقيع ودفء التربة. في المناطق المعتدلة، يتم الزراعة غالبًا بين شهري مارس ومايو. تأخير الزراعة قد يؤثر سلبًا على المحصول نتيجة لقصر مدة النمو والتعرض لدرجات حرارة مرتفعة في مرحلة التزهير.

سادسًا: طريقة الزراعة

يُزرع فول الصويا عادةً باستخدام بذارات ميكانيكية تضمن توزيعًا متساويًا للبذور وعمقًا منتظمًا. عمق الزراعة المثالي يتراوح بين 3 إلى 5 سم حسب قوام التربة؛ ففي التربة الخفيفة يمكن زيادة العمق قليلًا بينما في التربة الثقيلة يُفضل الزراعة الضحلة.

الكثافة المثالية للزراعة:

سابعًا: التسميد

رغم أن فول الصويا نبات بقولي قادر على تثبيت النيتروجين من الهواء بفضل علاقة تكافلية مع بكتيريا العقد الجذرية (Rhizobium)، إلا أن التسميد يبقى ضرورة في أغلب الأحوال لتحقيق إنتاجية عالية:

• الفوسفور: ضروري لتكوين الجذور والعقد الجذرية، ويُضاف بمعدل 60-80 كجم P₂O₅/هكتار.

• البوتاسيوم: يساعد في تحسين جودة الحبوب ويُضاف بمعدل 80-100 كجم K₂O/هكتار.

• النيتروجين: يُمكن إضافة كمية قليلة عند الزراعة (20 كجم/هكتار) لتشجيع نمو البادرات.

• العناصر الصغرى: مثل الموليبدينوم والكوبالت تُضاف بشكل رذاذ على الأوراق لتحسين العقد الجذرية.

ثامنًا: الري

يحتاج فول الصويا إلى توفر الماء في مراحل حرجة مثل الإنبات، التزهير، وتكوين القرون. يُفضل الري المنتظم دون إسراف لتفادي مشاكل تعفن الجذور أو ضعف التزهير. في المناطق المروية، يُراعى ما يلي:

• عدد الريات: من 6 إلى 10 ريات حسب نوع التربة والمناخ.

• أهم مراحل الري:

  • بعد الزراعة مباشرة.

  • عند التزهير.

  • عند تكوين القرون وامتلاء الحبوب.

يجب تجنب الري الزائد أو في فترات متقاربة جدًا، كما أن تصريف الماء الزائد ضرورة لضمان صحة الجذور.

تاسعًا: مكافحة الآفات والأمراض

تعاني زراعة فول الصويا من عدة آفات وأمراض قد تؤثر سلبًا على المحصول. من المهم تنفيذ برامج مكافحة متكاملة تشمل الوقاية، الرصد المستمر، والمعالجة.

أبرز الآفات:

• دودة اللوز: تتغذى على القرون وتُعالج بالمبيدات الحشرية عند الحاجة.

• المنّ: يمتص العصارة النباتية ويُسبب ضعف النمو.

• ذبابة الورقة البيضاء: تنقل الفيروسات وتؤدي إلى اصفرار الأوراق.

أبرز الأمراض:

• البياض الدقيقي: يسبب تغطية بيضاء على الأوراق ويعالج بمبيدات فطرية.

• الصدأ: بقع صفراء تتحول إلى بنية على الأوراق، ويُقاوم باستخدام الأصناف المقاومة.

• عفن الجذور: نتيجة للرطوبة الزائدة أو التهوية السيئة، ويُقاوم بتحسين الصرف واستخدام فطريات مفيدة.

عاشرًا: الحصاد

يتم حصاد فول الصويا عندما تتحول الأوراق إلى اللون الأصفر وتسقط، وتكون القرون جافة والحبوب صلبة. يُفضل استخدام الحصادات الميكانيكية مع ضبط ارتفاع القطع لتقليل الفاقد من الحبوب. يجب أن تُخفض نسبة رطوبة الحبوب إلى حوالي 13% للتخزين الآمن.

حادي عشر: الإنتاجية وجودة المحصول

تتراوح إنتاجية فول الصويا بين 2.5 إلى 4 طن/هكتار في الظروف المثالية. وتعتمد جودة الحبوب على نسبة البروتين (35–40%) والزيت (18–22%). كما أن حجم الحبة، ونسبة التلف أو الضرر، ومستوى الرطوبة تؤثر في تسويق المحصول.

ثاني عشر: استخدامات فول الصويا

فول الصويا نبات متعدد الاستخدامات:

• الغذاء البشري: يُستخرج منه زيت الطهي، حليب الصويا، صلصة الصويا، والتوفو.

• العلف الحيواني: يستخدم الكسب الناتج عن عصر الزيت كمصدر بروتين عالي الجودة للماشية.

• الصناعات: يدخل في صناعة البلاستيك، الحبر، مستحضرات التجميل، والدهانات.

• الطاقة: يُستخدم في إنتاج الوقود الحيوي (البيوديزل) من زيته.

ثالث عشر: الاعتبارات الاقتصادية

تُعد زراعة فول الصويا من المحاصيل ذات العائد المرتفع نسبيًا مقارنة بمحاصيل أخرى، خاصةً مع التوسع في الصناعات المرتبطة به. ويعتمد الربح الصافي على عوامل مثل:

• سعر السوق.

• تكاليف الإنتاج.

• إنتاجية الهكتار.

• جودة المحصول.

في العالم العربي، تشهد زراعة فول الصويا اهتمامًا متزايدًا لتقليل التبعية للاستيراد وتوفير بدائل بروتينية للنمو السكاني المتزايد.

المصادر والمراجع

1. FAO, Food and Agriculture Organization of the United Nations. “Soybean Cultivation Guide.”

2. Iowa State University Extension and Outreach – “Soybean Production Practices.”